Error loading files/news_images/عبد عبيد- جنين.jpg مؤسسة مهجة القدس مؤسسة مهجة القدس
الخميس 16 مايو 2024 م -
  • :
  • :
  • م

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

    عُشاق الوطّن

    آخر تحديث: الأربعاء، 19 أكتوبر 2022 ، 11:17 ص

    ✍️ بقلم الأسير المجاهد/ عبد محمود عبيد

    سجن مجدو الاحتلالي

    تبذل الأم عشرين عامًا لتجعل من أبنها رجلًا، ثم وفي لحظةً واحدة وعلى حين غرةً منها يسلبها الوطن أبنها دون استأذان....

    بعد واحد وعشرين عامًا بكل ما تحتويه من أيام وساعات ودقائق وثواني همتُ فيها على وجهي ما بين المعابر والزنازين والمعازل والسجون والبوسطات، استقر بي المقام كارهًا وفق إرادة السجان في سجن مجدو (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ).

    سجن مجدو يستقبل الوافدين الجدد القادمين من خضم المعركة من وسط ميدان الضفة الغربية المحتلة ومن منطقة الشمال تحديدًا. هنا وفي هذا المكان جُل الوافدين في أوائل العشرين من أعمارهم التي على ما يبدو لم تكن طويلة أي أنهم من جيل أولادي لو قدّر الله لي أن يكون لدي أولاد، وجدت فيهم فتيةً آمنوا بربهم فزادهم الله هدىً، امتلؤوا همًة وشجاعًة وكرامًة وانتماءًا وحبًا للشهادة وإخلاصًا للراية السوداء التي يقاتلون تحت ظلالها، وبالرغم من ثقافتهم المحدودة ووعيهم الطحل إلا أن ميدان المقاومة شكلّهم على أحسن ما يشكل الإنسان وحسبهم ذلك.

    إبان وجودي بينهم عادت لي الروح التي أنهكتها جدران السجن وكان فضلهم عليّ عظيمًا دون أن يعلمون، فقد وجدتُ فيهم أبنائي الذين لم يولدوا بعد، في حين وجدو فيّ أباهم الذي يفتقدون إلى حنانه وحرصه وتوجيهاته، وتبادلنا الأدوار في ما بيننا دون أن يدرك أيِ منا لذلك.... شاءت الأقدار أن يكون أسرنا في مكانٍ واحد، يؤصد باب الغرفة علينا لنعيش حكايانا المختلفة المفرحة منها والبائسة، نستأنس بها ونكسر بها وحشة المكان، كنتُ تواقًا لسماع قصصهم وأتأهب لذلك كمن يتأهب إلى خوض معركة، صغيتُ بسمعي وقلبي إلى كل ما كانوا يروونه عن حيواتهم وتجاربهم العامة منها والخاصة، فكانوا يبثون إليّ أسرارهم دون تحفظ أو تردد، وكنت استمتعُ بالإستماع كما يستمتعون بالسرد، عشرات بل قُل مئات الحكايات بُسطت بين يدي، منها ما كان غريبًا لا يخلو من الإضافات اللذيذة والخفيفة على النفس، ومنها ما كان يخلو من الغرابة.

    ومن وسط ألم الحكاية تلك خرجت لي قصة أحدهم وقفت في حضرة عظمتها مشدوهًا.

    في العشرين ربيعًا من عمره، يمتلئُ أخلاقًا وتربيةً وإيمانًا وحياءً، هذه أمور يراها الجميع بمجرد النظر إلى وجهه، بيْد أن شيئًا آخر اكتشفتُه فيه تجاوز كل هذه الصفات التي يشاركُ فيها الكثير، دقائق معدودات من التواصل مع عائلته قلبت كيانه رأسًا على عقب، ألقي بنفسه على فرشته ظهيرة ذلك اليوم وقد تدثّر عن آخره بالغطاء، تمامًا كالطفل البريء الذي عنّفه والداه على مسلكٍ خاطئ، توجه إليه الجميع مستوضحين عن سبب انزعاجه المفاجئ ذاك، فكان يهز رأسه مؤكدًا ألا شيء. لم يتناول وجبة العشاء وبقي وجوعه وفرشته وأفكاره التي لا يبُينها لأحد. أثناء ساعات الليل كُنت أراقب سلوكه واستفهمت من نزلاء الغرفة إن كان هناك أي إشكال أثناء غيابي، والجميع أجاب بالنفي. لم أجد بُدًا من إقتحام خلوته، رفعت الغطاء عن وجهه وإذا بعينيه قد احتقنت بالدموع، وغلب على وجهه الحزن والأسى، طلبتُ منه الحضور إلى برشي ففعل، تحرك وكأنه يحمل أثقال الدنيا وهمومه على كاهليه، أدركت مما رأيت أن خطبًا جللًا قد ألم به، جلس إلى جانبي وبادرتُ عن سؤاله عن حاله فكان يجيب على قدر السؤال والدموع تطارح مقلتيه.... قليلًا من الإلحاح مني كانت كفيلة بأن يخرج لي أثقال صدره كاملة.

    --------- أبـــــــــــــــي يريد أن يخطب لي وأنا لا أريد أن أخطب الآن.

    فقاطعته: لا تريد أن تخطب إلا الفتاة التي تحبها أليس كذلك؟

    قصب حاجبيه مع ابتسامة من طرف فيه.

    لا لا يوجد فتاة بحياتي.

    قلتُ: وما المشكلة إذنًا في أن تخطب.

    بدهني جوابه المقتضب عندما قال: وهذا الطريق الذي سلكناه من سيكمله إذا نحن تزوجنا.

    استفهمتُ عن أي طريق تتحدث؟

    أجاب طريق الجهاد، فأنا لا أريد أن أنشغل بأي شيء عن هذا الطريق لا زواج ولا خطبة.

    ضحكتَ ضحكةَ المعجب لحديثه وشرحت له في ساعة من زمن أو أكثر بأن هذا الطريق لا يتناقض أو يتعارض مع الزواج أو بناء بيت أو عائلة وعلى العكس من ذلك فإن كلا الأمرين تكمل بعضها بعضًا: وما أن أنهيت حديثي حتى ابتسم بسمة المقتنع بما سمع ثم قام وتناول وجبة العشاء وقد عاد النور إلى وجهه من جديد.

    يا سادتيٍ إذا كان الوطن قد أسبغ نعمهُ ظاهرها وباطنها على هاتك الفئة المنافقة التي تعتبر البلد ملك لها وتصرح جِهارًا وبملئ شبقها (هذا البلد لبابا)، فإذا قدم الوطن فماذا قدم الوطن لهؤلاء الفتية المجاهدين كي يعشقوه كل هذا العشق؟

    سؤال: أترك لكم البحث عن ألغازه بين هؤلاء الفتية الذين يعيشون معكم ويتحركون بينكم؟

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    19/10/2022Ù…

     


    أضف تعليق



    تعليقات الفيسبوك

حسب التوقيت المحلي لمدينة القدس

حالة الطقس حسب مدينة القدس

استطلاع رأي

ما رأيك في تضامن الشارع الفلسطيني مع الاسرى في معركتهم الأخيرة في داخل سجن عوفر؟

43.5%

16.7%

35.2%

4.6%

أرشيف الإستطلاعات
من الذاكرة الفلسطينية

أريئل شارون يقرر بناء جداء فاصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، على خطوط التماس بين الأراضي التابعة لسلطة الحكم الذاتي والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948

16 مايو 2002

التوقيع على اتفاقية سايكس بيكو بين فرنسا والمملكة المتحدة وذلك لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الدولة العثمانية

16 مايو 1916

الأرشيف
القائمة البريدية